يمكن تعريف الحمى على أنها إرتفاع شديد في درجات الحرارة للجسم بحيث تتجاوز المعدلات الطبيعية، وتعتبر الحمى أو السخونة بمثابة إستجابة طبيعية من جسم الإنسان لما يواجهه من أمراض والتهابات وعلل تظهر على الإنسان وعلى جسمه، والأصل في حالة عدم المرض أن تكون حراراة الإنسان من 36- 38.
ثبت في «الصحيحين» : عن نافع، عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنما الحمى أو شدة من فيح جهنم، فأبردوها بالماء» أخرجه الإمام أحمد، والبخاري عن ابن عباس في الطب- ورواه مسلم في السلام: باب لكل داء دواء، فالرسول صلى الله علية وسلم شبه الحمى بنار جهنم وأنه يجب تبريدها بالماء، وقد تسبب هذا الأمر بإشكالية كبيرة لدى الأطباء.
حيث رآوى أن هذا يناقض حال بعض الدول خاصة التي تعاني من البرد الشديد، ويمكن الرد على هذا بأن الحديث خاص بأهل الحجاز، وما والاهم، إذ كان أكثر الحميات التي تعرض لهم من نوع الحمى اليومية العرضية الحادثة عن شدة حرارة الشمس، وهذه ينفعها الماء البارد شربا واغتسالا، فإن الحمى حرارة غريبة تشتعل في القلب، وتنبث منه بتوسط الروح والدم في الشرايين والعروق إلى جميع البدن، فتشتعل فيه اشتعالا يضر بالأفعال الطبيعية.
وتقسم الحمى إلى قسمين:
- عرضية: وهي الحادثة إما عن الورم، أو الحركة، أو إصابة حرارة الشمس، أو القيظ الشديد، ونحو ذلك.
- ومرضية: وهي لا تكون إلا في مادة أولى، ثم منها يسخن جميع البدن، فإن كان مبدأ تعلقها بالروح سميت حمى يوم، لأنها في الغالب تزول في يوم، ونهايتها ثلاثة أيام، وإن كان مبدأ تعلقها بالأخلاط سميت عفنية، وهي أربعة أصناف: صفراوية، وسوداوية، بلغمية، ودموية. وإن كان مبدأ تعلقها بالأعضاء الصلبة الأصلية، سميت حمى دق، وتحت هذه الأنواع أصناف كثيرة.
فوائد الحمى لجسم الإنسان:
على الرغم من خطورة الحمى على الإنسان إلا أن لها فوائد جمى لجسم الإنسان فهي غالباً ما تكون نتاج معركة حامية الوطيس تقع في جسم الإنسان، ومن تلك الفوائد، ما يلي:
- وقد ينتفع البدن بالحمى انتفاعا عظيما لا يبلغه الدواء، وكثيرا ما يكون حمى يوم، وحمى العفن سببا لإنضاج مواد غليظة لم تكن تنضج بدونها، وسببا لتفتح سدد لم يكن تصل إليها الأدوية المفتحة.
- وأما الرمد الحديث والمتقادم، فإنها تبرىء أكثر أنواعه برآ عجيبا سريعا، وتنفع من الفالج، واللقوة، والتشنج الأمتلائي، وكثيرا من الأمراض الحادثة عن الفضول الغليظة.
وقال لي بعض فضلاء الأطباء: إن كثيرا من الأمراض نستبشر فيها بالحمى، كما يستبشر المريض بالعافية، فتكون الحمى فيه أنفع من شرب الدواء بكثير، فإنها تنضج من الأخلاط والمواد الفاسدة ما يضر بالبدن، فإذا أنضجتها صادفها الدواء متهيئة للخروج بنضاجها، فأخرجها، فكانت سببا للشفاء.
وإذا عرف هذا، فيجوز أن يكون مراد الحديث من أقسام الحميات العرضية، فإنها تسكن على المكان بالانغماس في الماء البارد، وسقي الماء البارد المثلوج، ولا يحتاج صاحبها مع ذلك إلى علاج آخر، فإنها مجرد كيفية حارة متعلقة بالروح، فيكفي في زوالها مجرد وصول كيفية باردة تسكنها، وتخمد لهبها من غير حاجة إلى استفراغ مادة، أو انتظار نضج.
إستعمال الماء البارد لإطفاء الحمى:
كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم فإن الماء يطفئ الحمى، ويراد به جميع أنواع الحميات، وقد اعترف فاضل الأطباء جالينوس: بأن الماء البارد ينفع فيها، قال في المقالة العاشرة من كتاب «حيلة البرء» : ولو أن رجلا شابا حسن اللحم، خصب البدن في وقت القيظ، وفي وقت منتهى الحمى، وليس في أحشائه ورم، استحم بماء بارد، أو سبح فيه، لا نتفع بذلك. قال: ونحن نأمر بذلك بلا توقف.
وقال الرازي في كتابه الكبير: إذا كانت القوة قوية، والحمى حادة جدا، والنضج بين ولا ورم في الجوف، ولا فتق، ينفع الماء البارد شربا، وإن كان العليل خصب البدن والزمان حار، وكان معتادا لاستعمال الماء البارد من خارج، فليؤذن فيه.
ومما يؤكد صحة الهدي النبوي نفع الماء البارد الذي يوضع على القماش ويضع على الجبين في تخفيف اعراض الحمى وأثارها خاصة في منطقة الرأس والدماغ والتي تستعملها الأمهات في علاج الاطفال.
تفسير قوله: «الحمى من فيح جهنم» ، هو شدة لهبها، وانتشارها، ونظيره:
وقوله صلى الله عليه وسلم شدة الحر من فيح جهنم وفيه وجهان: أحدهما: أن ذلك أنموذج ورقيقة اشتقت من جهنم ليستدل بها العباد عليها، ويعتبروا بها، ثم إن الله سبحانه قدر ظهورها بأسباب تقتضيها،؛ كما أن الروح والفرح والسرور واللذة من نعيم الجنة أظهرها الله في هذه الدار عبرة ودلالة، وقدر ظهورها بأسباب توجبها.
ويمكن أن قصده صلى الله عليه وسلم التشبيه، فشبه شدة الحمى ولهبها بفيح جهنم، وشبه شدة الحر به أيضا تنبيها للنفوس على شدة عذاب النار، وأن هذه الحرارة العظيمة مشبهة بفيحها، وهو ما يصيب من قرب منها من حرها.
وقوله: فأبردوها ، روي بوجهين: بقطع الهمزة وفتحها، رباعي: من أبرد الشيء: إذا صيره باردا، مثل أسخنه: إذا صيره سخنا.
والثاني: بهمزة الوصل مضمومة من برد الشيء يبرده، وهو أفصح لغة واستعمالا، والرباعي لغة رديئة عندهم قال:
إذا وجدت لهيب الحب في كبدي ... أقبلت نحو سقاء القوم أبترد
هبني بردت ببرد الماء ظاهره ... فمن لنار على الأحشاء تتقد
وقوله: «بالماء» فيه قولان: أحدهما: أنه كل ماء وهو الصحيح.
والثاني: أنه ماء زمزم، واحتج أصحاب هذا القول بما رواه البخاري في صحيحه عن أبي جمرة نصر بن عمران الضبعي، قال: كنت أجالس ابن عباس بمكة، فأخذتني الحمى، فقال: أبردها عنك بماء زمزم، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «إن الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء، أو قال: بماء زمزم وراوي هذا قد شك فيه، ولو جزم به لكان أمرا لأهل مكة بماء زمزم، إذ هو متيسر عندهم، ولغيرهم بما عندهم من الماء.
ثم اختلف من قال: إنه على عمومه، هل المراد به الصدقة بالماء، أو استعماله؟ على قولين. والصحيح أنه استعمال، وأظن أن الذي حمل من قال:
المراد الصدقة به أنه أشكل عليه استعمال الماء البارد في الحمى، ولم يفهم وجهه مع أن لقوله وجها حسنا، وهو أن الجزاء من جنس العمل، فكما أخمد لهيب العطش عن الظمآن بالماء البارد، أخمد الله لهيب الحمى عنه جزاء وفاقا، ولكن هذا يؤخذ من فقه الحديث وإشارته، وأما المراد به فاستعماله.
أحاديث أخرى عن الحمى:
- وقد ذكر أبو نعيم وغيره من حديث أنس يرفعه: «إذا حم أحدكم، فليرش عليه الماء البارد ثلاث ليال من السحر «٢» .
- وفي «سنن ابن ماجه عن أبي هريرة يرفعه: «الحمى كير من كير جهنم، فنحوها عنكم بالماء البارد.
- وفي «المسند» وغيره، من حديث الحسن، عن سمرة يرفعه: «الحمى قطعة من النار، فأبردوها عنكم بالماء البارد» ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حم دعا بقربة من ماء، فأفرغها على رأسه فاغتسل.
- وفي «السنن» : من حديث أبي هريرة قال: ذكرت الحمى عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسبها رجل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تسبها فإنها تنفي الذنوب، كما تنفي النار خبث الحديد
الحمى تنقي البدن درنه:
وأما تصفيتها القلب من وسخه ودرنه، وإخراجها خبائثه، فأمر يعلمه أطباء القلوب، ويجدونه كما أخبرهم به نبيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن مرض القلب إذا صار مأيوسا من برئه، لم ينفع فيه هذا العلاج.
فالحمى تنفع البدن والقلب، وما كان بهذه المثابة فسبه ظلم وعدوان، وذكرت مرة وأنا محموم قول بعض الشعراء يسبها:
زارت مكفارة الذنوب وودعت ... تبا لها من زائر ومودع
قالت وقد عزمت على ترحالها ... ماذا تريد فقلت ألاترجعي
فقلت: تبا له إذ سب ما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سبه، ولو قال:
زارت مكفارة الذنوب لصبها ... أهلا بها من زائر ومودع
قالت وقد عزمت على ترحالها ... ماذا تريد فقلت: ألاتقلعي
لكان أولى به، ولأقلعت عنه، فأقلعت عني سريعا. وقد روي في أثر لا أعرف حاله «حمى يوم كفارة سنة» . وفيه قولان، أحدهما: أن الحمى تدخل في كل الأعضاء والمفاصل، وعدتها ثلاثمائة وستون مفصلا، فتكفر عنه- بعدد كل مفصل- ذنوب يوم. والثاني: أنها تؤثر في البدن تأثيرا لا يزول بالكلية إلى سنة، كما قيل في قوله صلى الله عليه وسلم: «من شرب الخمر لم تقبل له صلاة أربعين يوما» «١» . إن أثر الخمر يبقى في جوف العبد، وعروقه، وأعضائه أربعين يوما والله أعلم.
قال أبو هريرة: ما من مرض يصيا بني أحب إلي من الحمى، لأنها تدخل في كل عضو مني، وإن الله سبحانه يعطي كل عضو حظه من الأجر.
وقد روى الترمذي في «جامعه» من حديث رافع بن خديج يرفعه: إذا أصابت أحدكم الحمى- وإن الحمى قطعة من النار فليطفئها بالماء البارد، ويستقبل نهرا جاريا، فليستقبل جرية الماء بعد الفجر وقبل طلوع الشمس، وليقل: بسم الله اللهم اشف عبدك، وصدق رسولك، وينغمس فيه ثلاث غمسات ثلاثة أيام، فإن برىء، وإلا ففي خمس، فإن لم يبرأ في خمس، فسبع، فإن لم يبرأ في سبع فتسع، فإنها لا تكاد تجاوز تسعا بإذن الله.
أبرز طرق العلاج النبوي للحمى:
- التبريد بالماء يُنصح في الطب النبوي باستخدام الماء البارد للشرب أو الاغتسال لتخفيف حرارة الجسم، خاصة في الحميات العرضية الناتجة عن حرارة الجو أو التعب.
- الراحة وتخفيف الجهد يُوصى بالاسترخاء وتجنّب الإجهاد البدني، لأن الحمى تُعد استجابة مناعية، والراحة تساعد الجسم على مقاومة المرض.
- الاعتماد على الأدوية الطبيعية مثل العسل، الحبة السوداء، وماء زمزم، والتي وردت في أحاديث نبوية كعلاجات عامة تقوّي المناعة وتساعد في الشفاء.
- الدعاء والرقية الشرعية يُعتبر العلاج الإلهي جزءًا من الطب النبوي، ويشمل قراءة آيات الشفاء والدعاء، لما لها من أثر نفسي وروحي في دعم التعافي.
وصفات طبية فعالة من السنة النبوية لعلاج الحمى والحد من أثارها:
- الحبة السوداء (حبة البركة): قال النبي ﷺ: "فيها شفاء من كل داء"، وتُستخدم لتقوية المناعة وعلاج الالتهابات.
- زيت الزيتون: أوصى به النبي ﷺ، ويُستخدم داخليًا وخارجيًا لترطيب البشرة، تقوية الشعر، وتحسين الهضم.
- الرقية الشرعية: تشمل قراءة آيات الشفاء والدعاء، وتُستخدم لعلاج الأمراض النفسية والجسدية.
- ماء زمزم: "طعام طُعم وشفاء سُقم"، ويُشرب بنية الشفاء، وله فوائد روحية وجسدية مثبتة.